الشهرة الزائفة- نعيم مؤقت أم لعنة مستدامة؟

المؤلف: هاني الظاهري08.27.2025
الشهرة الزائفة- نعيم مؤقت أم لعنة مستدامة؟

يبدو أن اكتساب الصيت الذائع على منصات التواصل الاجتماعي يشبه إلى حد كبير تلك الحكاية الغربية المأثورة، حيث يظهر الشيطان ويعرض على الإنسان متعة زائلة مقابل التنازل عن جوهره، ولكن سرعان ما تتحول هذه المتعة إلى نقمة تستنزف كل ما يملك وتطال جوانب حياته كافة.

فالوقائع الملموسة التي نشهدها يومياً تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن شهرة الغالبية العظمى ممن تصنعهم هذه المنصات لا تدوم طويلاً. بل إنها غالباً ما تكون ذات "أجل محدود"، وقصيرة الأمد، لا تتجاوز في أغلب الأحوال بضع سنوات معدودة، ثم تبدأ الآلة الرقمية الجبارة في ابتلاعهم واحداً تلو الآخر في عملية استهلاك شرسة.

الجمهور هو المستهلك، يرفع هؤلاء المشاهير إلى القمة بشكل مؤقت، ثم يسحب منهم كل شيء فجأة دون سابق إنذار، وكأنهم لم يكونوا شيئاً مذكوراً.

والأدهى من ذلك، أن محاولة العودة إلى الأضواء تصبح أكثر مرارة وقسوة من الاختفاء والانزواء نفسه؛ فالجماهير الصاعدة الجديدة التي لم تشهد أوج شهرتهم السابقة سوف تسخر منهم وتهزأ بهم وتنال منهم من خلال حملات التنمر المنظمة، ثم تتجاهلهم تماماً وكأنهم لم يمثلوا يوماً جزءاً من المشهد العام.

أصابني الحزن الشديد مؤخراً عندما رأيت أحد المشاهير السابقين، أولئك الذين سطع نجمهم قبل عقد من الزمان، وهو يتوسل الناس بطريقة غير مباشرة لإعادة الحياة إلى مشروعه التجاري الذي يعاني الأمرين. هذا المشروع الذي كان في يوم من الأيام وجهة مفضلة لكبار المؤثرين، ومليئاً بالحضور والزبائن، ولكنه مع مرور الوقت، بهت وتوارى.

فالمشاهير الذين كانوا يدعمونه في الماضي لم يعودوا يتمتعون بنفس التأثير، والأجيال الجديدة من الجماهير لا تعرفه ولا تعرفهم. لم يتغير شيء سوى الزمن، والزمن لا يرحم من يعتمد على النجاح الزائل والوقتي.

يكمن جوهر المشكلة في أن هذا الشاب قد بنى مشروعه على أساس واهٍ وهش، وهو نموذج عمل يعتمد بشكل كامل وحصري على الدعم الذي توفره شهرته الشخصية. وعندما تلاشت هذه الشهرة، انهار البناء برمته من جذوره. وحتى الحملات الإعلانية التي يطلقها اليوم تذكر الناس بأن مشروعه كان "ملتقى مشاهير العصر الذهبي"، وكأنها تعترف ضمنياً بأن كل ما تبقى ليس سوى بقايا وأطلال من زمن ولى وانقضى.

هذا المشهد المحزن والمؤلم ليس استثناءً، بل أصبح يتكرر بشكل مقلق ومثير للدهشة. فبينما يسعى الكثيرون وراء الشهرة والأضواء بتهور ودون تفكير عميق، يفشل معظمهم في إدراك أن الشهرة هي سلاح ذو حدين: فهي تضيء لك الطريق لفترة وجيزة، ولكنها ستحرقك وتلتهمك إن لم تكن مستعداً لمرحلة ما بعد انطفائها وتلاشيها.

تكمن المأساة الحقيقية في أن العديد من المشاهير يعتقدون أن بريقهم سوف يستمر إلى الأبد، وأن الجماهير ستبقى وفية لهم على الدوام. ولكن الحقيقة مغايرة تماماً لهذا الاعتقاد الخاطئ. فهذه الجماهير نفسها تبحث دائماً عن كل ما هو جديد ومثير، وتتخلى بسرعة عن كل ما هو قديم ومستهلك.

من هنا تنبع أهمية التفكير الاستراتيجي والتخطيط السليم منذ اللحظات الأولى للوصول إلى النجاح. فالشخص الذكي والفطن لا يعتبر الشهرة هدفاً نهائياً بحد ذاته، بل هي مجرد بوابة مؤقتة تتيح له فرصاً ثمينة لبناء مستقبل أكثر استقراراً ورسوخاً. يجب عليه أن يستغل الأرباح التي يجنيها من شهرته في اقتناء أصول ثابتة وملموسة، وأن يبتعد كلياً عن المشاريع التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بشخصه وشهرته، لأن مثل هذه المشاريع ستتحول إلى عبء ثقيل ومرهق حين يتراجع اسمه ويختفي عن الأنظار.

الشهرة ليست ضمانة للمستقبل، بل قد تتحول إلى فخ مميت إذا انجرفت وراء بريقها دون تخطيط مسبق. والفيصل بين النجاح الحقيقي والفشل الذريع هو: هل ستستخدم الشهرة كأداة لبناء شيء راسخ ودائم؟ أم ستكتفي بمطاردة التصفيق والتشجيع حتى يخفت الضوء وتبقى وحيداً في الظلام الدامس؟

الدرس الأكثر أهمية الذي تقدمه لنا حكايات المشاهير الذين خفت نجمهم هو أن الشهرة لا تعادل القيمة الحقيقية ما لم تترجم إلى مشاريع واقعية ومستدامة. النجاح الحقيقي لا يكمن في أن يعرفك الملايين، بل في أن تمتلك شيئاً لا يمكن للأضواء أن تسلبه منك حين تخبو وتتلاشى إلى الأبد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة